زيارة البابا فرانسيس الى العراق تعتبر الأولى في تاريخها من حيث انهُ حبر أعظم يزور العراق، فهي حلمٌ قديم لسلفهُ البابا يوحنا بولس الثاني في عام ٢٠٠٠ لزيارة بابوية الى بلاد الرافدين بهدف الحج لمسقط رأس النبي إبراهيم، وهي الأولى لزيارات البابا فرانسيس خارج اسوار الفاتيكان منذ تفشي فايروس كورونا في العالم، فلم تمنعهُ جميع العقبات على الصعيد الأمني والصحي من عرقلة زيارتهُ، بالرغم من اصابة السفير البابوي للعراق ميتجا ليسكوفار بفيروس كورونا.
فالدعوات من الشخصيات الكنسية العراقية وبالإضافة لدعوة رئيس جمهورية العراق السيد برهم صالح فقد اثمرت هذه الزيارة التأريخية، ومن الأسباب التي دعت لتسميتها بالتأريخية هي اللقاء الذي جمع البابا فرانسيس بمرجع ديني بهذه المستوى فبالرغم من تبادل الرسائل المختلفة بين النجف والفاتيكان ولكن تضل هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لحبر أعظم لشخصية دينية اسلامية شيعية بهذا المستوى.
اللقاء بحد ذاتهُ كان تأريخياً ورسالةً لجميع الشعوب التي واكبت الحدث بأنها رسالة إنسانية مهما اختلفت معتقدات الشخص وأيمانه بالدين او الطائفة او المعتقد الذي يحمله أي شخص فتبقى الإنسانية هي من تفوز دوما وجميع هذه العلامات كانت ظاهرة اثناء اللقاء الذي تم بثه عالميا وعلامات الوئام التي كانت ظاهرة على وجه المرجع الديني السيد علي السيستاني والبابا فرانسيس اثناء المصافحة الأخيرة فيما بينهم.
فالسلام والتقارب بين الشعوب والأديان هي أساس هذه الزيارة، وهي الحاجة الماسة للشعب العراقي في ظل الظروف الراهنة بظل ما يعيشه العراقيين منذ ٢٠٠٣ وحتى اليوم، من تدهور في جميع الأصعدة السياسية والأمنية والصحية والخدمية وانقساما عانى منه العراقيين أثرت على تأخر عجلة التقدم التي كانوا يطمحون لها وعلى تغير جميع الانظمة التي تعاقبت على مدى الأجيال السابقة.
بالإضافة لما تمثله هذه الزيارة من دعماً معنوياً وروحياً على قلوب المكون المسيحي في العراق لما عانوا من اضطهاد على مر السنين وتعتبر طوائف المسيحيين في العراق من كلدان وسريان واشوريين من أقدم الكنائس في العراق والعالم جميعاً، فجذور الكنائس والمكون المسيحي منذ القدم في بلاد الرافدين وبالرغم من هذا كلهُ لما تعرضوا له من اقصاء وتهجير وبالأخص بتفرة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على اجزاءا عديدة من مناطق العراق منها مدينة الموصل حيث يقطن جزءا كبيراً منهم في المدينة وضواحيها من المدن التابعة لها.
عيون العالم كانت على العراق اثناء زيارة البابا فرانسيس، فمحطات التلفاز بأغلب دول العالم والصحف والمواقع الإخبارية كانت تغطي تفاصيل الزيارة لحظة بلحظة وهي رسالة إيجابية للعراق والعراقيين للالتفاتة مرة أخرى بهذا الكم على العراق ولكن بصورة مختلفة بعيداً عن الصراعات السياسية او الحزبية او التدهور الأمني، ولكن بصورة مبهجة على مستوى التنظيم والاستقبال والبهجة التي رُسمت على وجوه العراقيين ممن كانوا متواجدين وقت الاستقبال او ممن كانوا يترقبون الحدث من وراء شاشات التلفاز.
الاستقبال والتنظيم الذي حظي به البابا فرانسيس والوفد المرافق له من رجال دين او صحفيين كان يليق به اولاً ومستوى التنظيم الذي يليق بالعراق ثانياً، فمنذ لحظة وصول الطائرة الإيطالية على مطار بغداد الدولي كانت محط اهتمام الجميع، فأستقبال الأطفال بالأزياء المختلفة والموسيقى الفلكلورية التي كانت حاضرة وتمثل جميع أطياف ومكونات الشعب العراقي ببسمة كبيرة تعلو الوجوه كانت رسالة للبابا والوفد المرافق بهِ انه هذه هو العراق الذي يختلف بمكوناته ويعتز بفولكلوره يقفون متراصفين للترحيب بضيفهم.
استغراب العراقيين من حكومتهم كان لأسبابٍ عديدة مما اثار تساؤلات كثيراً، أولها انه الحكومة العراقية قادرة على إحداث التغيير فلما لا تُغير من الواقع، إن احداث تغيير شامل حتى وان اقتصر على الشوارع المخصصة لعبور البابا فرانسيس او المناطق التي من المفترض زيارتها.
ففي ظرف أيام معدودة قد تعبدت الطرق بالأسفلت وزُينت الساحات ورُسمت الجدران وغُسلت الشوارع واضيئت المناطق العتمة فهنا التساؤل كان على لسان العراقيين! إن كانت الحكومة العراقية قادرة على صنع الفرق والتغيير نحو الأفضل خلال أيام لأستقبال زيارة البابا التاريخية فلما لم تقم بهذه الإجراءات الشاملة للشعب على مدى السنين المنصرمة؟
زيارة الموصل كانت مهمة جداً واختيار موقع اللقاء كان موفقاً بأمتياز حيث اظهر للعالم اجمع مدى الدمار الذي خلفهُ تنظيم داعش الإرهابي على مدى سنوات من السيطرة الكاملة على المدينة، ماديا من تحطيم المدينة والبنى التحتية لها ونفسيا مما تترك في نفوس سكان المدينة ومن زار او يزور المدينة ليشاهد حجم الدمار التي خلفتهُ نتيجة الكارثة التي حلت بالمدينة والخسائر البشرية من الأرواح التي أزهقت.
دور المنظمات المحلية والدولية والفرق الشبابية وصانعي القرار والمؤسسات الدينية يجب ان يكون مكملاً لزيارة البابا فرانسيس لها، فحجم الدمار كان واضحاً وبصورة مباشرة، بناءا على ردة الفعل من الشعب الذي يحترم الاخر ويريد العيش بسلام وهو ما كان ملموساً اثناء الزيارة البابوية يجب ان يتم ترجمته بتحركات عملية وفعلية ليخدم الواقع العراقي بصورتهِ الحالية، فعلى الصعيد الدولي كانت الرؤية واضحة المعالم وانه هذه المدن والبلد بأكمله يرد المضي قدماً وما ينقصه هو الدعم المستمر للإرشاد والمساندة
فكما صرح محافظ نينوى نجم الجبوري ونقل عنه نائب البرلمان السابق خالص أيشوع انه دولاً عديدة بقرابة الثلاثين اكثر او اقل اتصلت وقدمت عرضها للمساعدة على إعادة اعمار الموصل، فالخطة موجودة مسبقاً لأعادة الاعمار ولكن ما يُبطئ التقدم هو النقص المادي والاقتصادي، و بهذه تكون احدى النتائج الكبيرة لزيارة البابا الى العراق وتجوله في مدينة الموصل وسط الدمار هي لجذب الأنظار الى كمية الدمار الحاصل في المدينة، وبادرتها كانت بعرض الدول للمساعدة، أما الان فيكون دور المنظمات غير الحكومية المحلية والدولة من اجل العمل على إعادة التأهيل وزرع بذرة السلام وتوعية وتنمية مهارات المواطنين على كيفية التغلب على المصاعب التي تواجه عامة الشعب في الأوقات الحرجة وبمساعدة الفرق الشبابية التي اثبتت جدارتها و عزمها من زمن رفع الأنقاض في المدينة وتنظيفها والعمل على إعادة سكانها الى بيوتهم، والمسؤولية تكمن على عاتق حكومة المركز أولا والحكومة المحلية ثانيا لجميع من ساهم او ساند او عمل بتفاني لأجل المدينة فلذلك يجب ان يتم توفير جميع الدعم لكافة الجهود التي تبذل، ويجب ان تُقابل بنية البناء وليس البناء العمراني فقط وانما بناء جسور التواصل كما قالها قداسة البابا فرانسيس نصيحتهُ لبناء الانفس قبل بناء المباني بين مختلف الأديان والطوائف ليصل الجميع الى نقطة الالتقاء فحينها سيكون الطريق سالكاً امام السير بعجلة التقدم على جميع الأصعدة.